منذ أبعدَ ممّا نتخيّل اليوم، اهتمّ الإنسان بالأخبار وكان دوما متابعا لها، يغريه في ذلك فضوله في رصد مواطنها وتلقفها ونشرها. لكن الأخبار تأتينا دوما وهي رافعة رأسها، فلا يأتي معها أي "تعليمات استخدام" ولا أي "تنبيهات تحذيرية" للجمهور، تقول لهم مثلا: "تنبّه، أمامك خبر قد يكون متحيزا"، أو "هذه الأخبار العاجلة كتبت على عجل وعليك استهلاكها بحذر". هي الأخبار تلعلع من كل صوب على مدار الساعة، ورغم خطورتها، فإنّها تمر وتنتعش في المجال التداولي بيننا، وكأنها ضرورات بديهية لا تصح مساءلتها، وكأن التقاطها والإحاطة بها سوف يصلان بنا إلى حقيقة ما تغيّر الواقع وتحمينا من شرّ قادم من المستقبل.
إنّه سحر الأخبار، المشتقّ من انسحار البشر القديم بالقصص والحكايات. ورغم النفور بين الأجيال الرقمية من الأشكال التقليدية للصحافة وتفشي قناعة ترى أن الإنسان تكفيه منصات التواصل الاجتماعي عن استهلاك الأخبار من مصادرها التقليدية، ورغم الضربات الموجعة التي تلقتها الصحافة العربية في الآونة الأخيرة، سواء في تراجع منسوب الحريات الصحفية، أو في الإبادة الإعلامية التي شهدناها في فلسطين، باستشهاد أكثر من 200 صحفي وصحفية في قطاع غزة والضفة الغربية، فإنّ الاهتمام بالصحافة والأخبار ظل قويا، وإرادة الانتساب إلى صنعة الأخبار تزايدت بين نطاق أوسع من الشباب في العالم العربي، ضمن حالة من الوعي الجماعي الذي يؤمن بقوة الصحافة الحرة والمسؤولة وأثرها في الحياة، ولا سيما مع ملاحظة التغيرات الكبيرة من حولنا، التي تكاد تحوّلنا جميعا، ولو مؤقتا، إلى صحفيين.
ولأن الصحافة مهمة إلى هذا الحدّ، ولأنها أيضا تتحوّل وتتنوّع أشكالها وتتغيّر، فقد جاء هذا الدليل ابتغاء العودة إلى أساسيات في الكتابة الصحفية الخبرية وصناعة المحتوى في غرف الأخبار، مع الاهتمام بالوقوف عند مادّة الأخبار الأولى؛ وهي اللغة بكلماتها وجملها وتراكيبها، وطرائق الكتابة الصحفية والتفكير فيها، والعودة إلى المعايير الأساسية الثابتة التي قامت عليها هذه الصنعة والتنبيه عليها. مع ذلك، لا يُغفل دليل الكتابة الخبرية التعامل مع التطورات التقنية التي دخلت على الصحافة وأثرت بها، سواء ما تعلق منها بمحركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي، أو حتى بتقنيات الذكاء الاصطناعي وسبل الاستفادة "الرشيدة" منها.
ينضمّ هذا الدليل إلى سلسلة إصدارات سابقة نشرها المعهد في الموضوع ذاته، ابتدأت بكتابة "الإيجاز في الكتابة الصحفية" ثم كتاب "السرد في الصحافة"، الذي تبعه دليل "أدوات كتابة القصة"، ثم هذا الدليل بعنوان "دليل إلى التحرير الصحفي"، الذي يسعى لإتمام مهمة الكتب التي سبقته، وهي باختصار شديد: تطوير مهارة "الكتابة الحسنة" في الصحافة العربية، أو التخلص من "الكتابة المهزوزة" كما يحذّر منها العارفون بالصنعة.
كتبت هذا التقديم لدليل صادر عن معهد الجزيرة للإعلام (نيسان/أبريل 2025).
يمكن الاطلاع على الدليل وتحميله مجانًا هنا