في تذكّر تلك الصور من أبو غريب
أبريل أقسى الشهور.
في 28 أبريل/نيسان 2004 شاهد العالم لأول مرّة فظائع ما كان يحصل في سجن أبو غريب. صور تسرّبت. صور من الألم والذل. صور من الفظاعة، التي تنافس في بذاءتها ووحشيتها ما تسرّب من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بل وربما تتفوق عليه.
- جنديّة وجنديّة يقفان خلف كومةٍ بشرية من المحتجزين العراة، وضعوا بعضهم فوق بعض مثل الخرق البالية، غطّيت رؤوسهم بأكياس تشبه الواقيات الذكرية.
- رجل يجبر على الوقوف منتصبًا على صندوق خشبي بالكاد يسع قدميه. وجهه مغطى بخرقة سوداء، وجسمه مربوط بأسلاك كهربائية. هددوه بالصعق كلما حاول النزول.
- مجندة أمريكية (صابرينا هارمان)، تلتقط صورة وهو تضحك مع جثّة محفوظة بالثلج.
- مجندة أمريكية أخرى (ليندي إنغلند). السيجارة في فمها. تلتقط صورة مع محتجزين عراة تمامًا، تشير بيدها اليسرى إلى ذكر أحدهم وتبتسم للكاميرا.
- محتجزان عاريان تمامًا، يرغمان على تمثيل وضعية جنسية مقرفة، لغرض التصوير والتسلية.
- ليندي إنغلند مرة أخرى، تربط حبلا برقبة محتجز عراقي، وتجره كأنه كلب.
لكن هذا لم يكن كل شيء. الملف كبير جدًا. سيمور هيرش، وفي واحدة من أهم المواد الصحفية عن الموضوع في نيويوركر وقتها، كشف بالاعتماد على مصادر داخل الجيش الأمريكي عن نطاق واسع من أشكال التعذيب السادي الممنهج، الذي حصل في العراق بين أكتوبر وديسمبر عام 2003. كانت وسائل الإعلام الأمريكية السائدة، وخصوصًا نيويورك تايمز، متحفظة للغاية في استخدام كلمة "تعذيب". هيرش سمى الأمر باسمه: "تعذيب في أبو غريب"، وكان ذلك عنوان مادّته.
التعذيب هنا يغطي نطاقًا واسعًا جدًا من الممارسات. ثمة كتاب مهم في الموضوع عن "التعذيب وأفول الأمبراطورية"، وهو بحث مطوّل مقارن ينظر في سياسات التعذيب في حالة استعمار الجزائر واحتلال العراق، يبين مركزية التعذيب في عقلية المستعمر، ويفسر "الألاعيب" اللغوية التي يستخدمها القادة لتيسير اعتماد التعذيب كوسيلة إخضاع رسميًة. يشير البحث إلى شرط سابق للتعذيب في الخارج، وهو محاولة قمع الداخل وإرهاب الصحافة واستخدام الدعاية الشعبوية والالتراوطنية لإسكات أي نقد. كل تعذيب هو في سبيل الوطن، ولذلك هو جيّد. يمكن تلمس أثر هذا العناد الرسمي والتهرب من الاعتراف بالظاهرة وطلب الحصانة منها، في تهرّب نيويورك تايمز نفسها من استخدام مفردة "التعذيب" لوصف ما حصل، وهو ما استمرّ في سياسة تحرير واضحة في الصحيفة، حتّى العام 2014، وتحديدًا فيما يتعلق بالحديث عن أساليب الاستجواب الوحشية التي اتبعها الأمريكيون ضد المتهمين بالإرهاب، وما إذا كان يمكن وضعها تحت خانة "التعذيب" بالمعنى القانوني.
أي تعذيب؟
- سكب سوائل حارقة على السجناء
- سكب مياه مثلجة على السجناء
- ضرب السجناء بعصي المكانس والكراسيّ
- تهديد السجناء بالاغتصاب
- تكليف حارس السجن بتقطيب الجروح المفتوحة للسجناء بعد ضربهم
- انتهاك السجين بإدخال العصي وما شابه في فتحة الشرج
- تعذيب السجناء باستخدام الكلاب.
- القتل العمد، وتزوير التقارير بشأن القتلى بادعاء أنهم ماتوا بنوبة أو ما شابه.
سلسلة طويلة من الأشكال الوحشية للتعذيب التي كثيرًا ما ننسى أن جيش الولايات المتحدة هو من يبتكرها ويصدّرها، ويصوّرها جنوده ويتسلّون بها! الفرق هو أنّه لم يكن ثمة تيك توك إبان غزو العراق أو احتلال أفغانستان.
جرت الإشارة إلى بعض أشكال هذا التعذيب في تقرير أعده اللواء في الجيش الأمريكي، أنطونيو تاغوبا في مطلع العام 2004، أمّا الدفعة الأولى من الصور التي تسربت إلى الإعلام، فظهرت في 28 نيسان من ذلك العام، ونشرت أولًا في تقرير إخباري على قناة "سي بي أس" الأمريكية حينها. بعد يومين، نشر سيمور هيرش مادته في نيويوركر، على الموقع الإلكتروني، وكل ذلك رغم محاولات من إدارة بوش لاحتواء الفضيحة ومنع التسريب. بعد عام تقريبًأ، بلغ عدد الأدلة التي تم إحصاؤها في تقرير رسمي: 1،325 صورة اعتداء وتعذيب، و93 مقطع فيديو، و660 صورة بورنوغرافية، و546 صورة لمحتجزين عراقيين مقتولين، و29 صورة لجنود أمريكيين في وضعيات مخلة، وعدد آخر من الصور التي تدخل في خانة التعذيب وإهانة المحتجزين.
توالت التحقيقات الصحفية بعدها. في مايو 2004، نشرت واشنطن بوست أحد أهم التقارير السردية المطولة، بالاعتماد على شهادات سجناء في أبو غريب. كان السجانون الأمريكيون يقولون للسجناء: سنجعلكم تتمنّون الموت، لكنّكم لن تموتوا".
هذه الجملة سمعناها مؤخرًا في شهادات أسرى فلسطينيين! في شهادات أخرى، سنسمع قصصًا عن التبول على السجناء وتهديديهم بزوجاتهم وإهانة دينهم والمصحف، وهي كذلك أشكال من التعذيب سائدة الآن في السجون الإسرائيلية. مجددًا، لا فرق كبير. لم يكن ثمة تيك توك وقتها.